غزة/ سماح المبحوح:
رأى مختصون بشؤون الاحتلال الإسرائيلي، أن كافة التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين كبار التي تؤكد نيتهم بناء مستوطنات في شمال قطاع غزة وتقديم الدعم المالي لها وكافة الخدمات الأخرى، ليست مجرد إعلان نوايا إنما خطط مدروسة سيتم العمل على تنفيذها.
وتوقع المختصون في أحاديث منفصلة مع "الاستقلال" أن فكرة بناء مستوطنات في القطاع، تم تداولها والحديث عنها مطولا، لكن يوجد رفض كبير في أوساط "الجيش الإسرائيلي " و"الشاباك" -جهاز الأمن العام الداخلي الإسرائيلي- بسبب التعقيدات وتكلفتهم الباهظة والأعباء الكبيرة جدا، ومخاوف بعدم نجاح بقائها.
وتراجع وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" عن تصريحات سابقة أثارت جدلًا واسعًا، في وقت تتداخل فيه هذه المواقف مع مساعٍ سياسية أوسع تقودها الولايات المتحدة بشأن ترتيبات ما بعد الحرب على قطاع غزة.
وكان كاتس، أعلن أول أمس الثلاثاء، تراجعه عن تصريح كان قد أدلى به في وقت سابق قال فيه إن "إسرائيل" تخطط لإقامة مستوطنات في شمال قطاع غزة، وأنها لا تنوي الانسحاب من أي أراضٍ تخضع لسيطرتها في غزة أو سوريا.
وبعد ساعات، صدر بيان عن مكتبه في ذات اليوم أوضح أن التصريحات بشأن إنشاء مجموعات استيطانية في شمال غزة جاءت في سياقات أمنية بحتة، مشيرًا إلى أن الحكومة لا تنوي إقامة مستوطنات في قطاع غزة.
قبل هذا التوضيح، كان كاتس قد صرّح بأن "إسرائيل" لن تنسحب بالكامل من قطاع غزة أو من سوريا، متعهدًا بإقامة مستوطنات جديدة في غزة.
وجاءت هذه التصريحات خلال زيارته مستوطنة بيت إيل في الضفة الغربية المحتلة، قرب المقر الإداري للسلطة الفلسطينية في رام الله.
وخلال كلمة ألقاها، قال كاتس إن "إسرائيل ستقيم مجموعات استيطانية في شمال غزة مدعومة عسكريًا تُستخدم لاحقًا لتطوير مستوطنات مدنية أكبر"، مضيفا:" أن هذه الخطوة ستُنفّذ بالطريقة الصحيحة وفي الوقت المناسب، من دون تحديد موعد زمني لذلك.
وأوضح أن هذه المستوطنات ستُقام بدلًا من المستوطنات التي أُخليت في إطار انسحاب "إسرائيل" من قطاع غزة عام 2005، قائلا: "نحن في عمق غزة ولن نغادر غزة كلها أبدًا، لن يكون هناك شيء من هذا القبيل".
خطط مدروسة للتنفيذ
رأى أنس أبو عرقوب الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن كافة التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين كبار عن نيتهم بناء مستوطنات في شمال قطاع غزة وتقديم الدعم المالي لها وكافة الخدمات الأخرى، ليست مجرد إعلان نوايا إنما خطط مدروسة وسيتم تنفيذها خلال فترة وجيزة.
وقال أبو عرقوب لـ "لاستقلال" إنه: "من الناحية العملية من أدلى بتصريحات تتعلق ببناء مستوطنات شمال قطاع غزة هو كاتس ومن أصدر بيان بالتراجع هي الوزارة وليس باسمه شخصيا، وهذا يعني أنه كان يعني ماذا يقول ولكن بناء على ضغوط من نتنياهو أصدرت وزارته بيان تراجعت فيه عن التصريحات حتى لا تكون محل انتقاد خلال زيارته المرتقبة لواشنطن ولقاءه الرئيس الأمريكي ترامب".
وأضاف:" تصريحات كاتس تتلاقى مع تصريحات سموتريتش الذي أكد على تقديم كافة الخدمات للمستوطنات التي سيتم بنائها في شمال قطاع غزة، بالتالي هي أكثر من مجرد إعلان نوايا إنما خطط يتم دراستها بشكل جدي لتنفيذها على أرض الواقع".
وكان وزير المالية الإسرائيلي ووزير الإدارة المدنية بتسلئيل سموتريتش، تعهد بأن الوزارات الإسرائيلية ستقدم خدماتها للمستوطنات التي ستقام في قطاع غزة.
وجاء حديث سموتريتش خلال مراسم توقيع إقامة المبنى الجديد لموظفي الإدارة المدنية في مستوطنة غزة، مؤكدًا على أهمية الخطوات الحكومية والسياسية والمدنية المستمرة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأوضح أنه يتوقع عودة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من واشنطن مع قرار الحكومة بشأن فرض "السيادة" القانونية على المستوطنات.
وأشار إلى أن المبنى الجديد سيوفر في المستقبل خدمات حكومية للاستيطان الذي سيُعاد إنشاؤه في قطاع غزة، مؤكدًا: " لن يطول اليوم.. هذا المبنى سيقدم خدمات الحكومة أيضًا للاستيطان في قطاع غزة".
وأضاف سموتريتش أنه أصدر توجيهاته إلى مدير الإسكان الحكومي في وزارة المالية للبحث عن مبنى مناسب لفتح فرع جنوبي، بحيث لا يضطر سكان المستوطنات التي ستُعاد إلى غزة إلى السفر لمسافات طويلة للحصول على الخدمات.
وبناء على ما سبق، أشار المحلل إلى وجود تصريحات أخرى تتعلق بنية نتنياهو الطلب من الرئيس الأمريكي ترامب خلال لقائها المرتقب تحويل الخطوط الصفراء إلى حدود دائمة، وبذلك يسيطر على مساحة أكبر من قطاع غزة، لبناء المستوطنات، لافتا أن "إسرائيل" تتطلع للبقاء بقطاع غزة وستحاول اقناع ترامب بذلك والإبقاء على حصار دائم لإجبار السكان للهجرة.
وشدد على أنه على الرغم من الضغوط التي تمارس من دول الوسطاء لاتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنها تبقى عاجزة على إجبار "إسرائيل" للالتزام بما تعهدت عليه بالاتفاق، مؤكدا أنه حتى الولايات المتحدة لا تمارس ضغطا حقيقيا على "إسرائيل"، فعند تنفيذ الأخيرة عمليات اغتيال فإنها تعلن بشكل رسمي أن العمليات تتم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، لذلك فإن كافة التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين كبار لا يمكن تجاهلها.
مخاطر كبيرة
بدوره، رأى المحلل والباحث في الشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس أن كاتس قد صرح بتصريحات تتعلق ببناء مستوطنات شمال قطاع غزة، وأطلق وعودا لن يستطيع الإيفاء بها، مشيرا إلى أن حكومة "إسرائيل" تريد الاستيطان في قطاع غزة لكن لا تستطيع القيام بذلك.
وأوضح أبو العدس في حديثه لـ "الاستقلال" أن فكرة بناء مستوطنات في قطاع غزة، تم تداولها والحديث عنها مطولا، لكن يوجد رفض كبير في أوساط "الجيش الإسرائيلي " و"الشاباك" -جهاز الأمن العام الداخلي الإسرائيلي بسبب التعقيدات وتكلفتهم الباهظة والأعباء الكبيرة جدا، والمخاوف بعدم نجاح بقائها، ومخاطر كبيرة تؤدي في نهاية المطاف للانسحاب على غرار الانسحاب الذي تم عام2005 – خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية-، والذي بموجبها تم إخلاء قطاع غزة من المستوطنين.
وبين أن كاتس يسمى في الاعلام العبري دمية نتنياهو وبوق ناطق باسمه، فهو شخص ليس لديه خبرة كبيرة في السياسية ولا بالعسكرية، ولكن نتنياهو عينه في منصبه الحساس ليكون يده وعينه للسيطرة على الجيش، فهو حين يطلق تصريحات لا يدري ماذا يقول بشكل حرفي.
وشدد على أن التصريح يمثل مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كاتس وحكومته، فهو وضع خطا يجب الالتزام به، يعني بناء مستوطنات وتواجد مستوطنين بالقطاع في بيئة معقدة جدا، ويمنح وعدا بالاستيطان، مع الاصطدام بالأمريكان الذين يرفضون ذلك.
وأشار إلى أن إطلاق التصريح بدون دراسة من المنطقي جدا التراجع عنها بسرعة؛ لأن سيكون لها تداعيات كبيرة جدا في بيئة حساسة كقطاع غزة، حيث أنها لن تعد تدار إسرائيليا فقط، حيث يتم التداول وفق خطة ترامب لوقف إطلاق النار، بوجود قوة استقرار ومجلس سلام لإدارة شؤون قطاع غزة، مشددا على أن "إسرائيل" لديها نوايا حقيقية للاستيطان، لكن تبعات الاستيطان في القطاع ستكون كبيرة جدا.
وأكد أن خطة ترامب مليئة بالثغرات، ومجلس السلام الذي أعلن عنه حتى الآن لم يتشكل من أي عضو، لذلك فإن الوضع في قطاع غزة ذاهب في حالة جمود نسبي لفترة إلى حين تسوية الأوضاع الدولية وتغيرها، مرجحا أن يكون ذلك خلال العامين القادمين.


التعليقات : 0